كم نحن بحاجة في هذه الأيام إلى صديق حميم، هو شقيق الروح، ومؤنس الوحدة، والمدافع في حال الغياب، والذي تستطيع أن تبثّ له همومك وأحلامك دون تكلّف أو حذر ومواربة "فليس بأخيك من احتجت إلى مداراته"كما يقول الإمام الشافعي.
كم نحن بحاجة إلى صداقة تستمر في السرّاء والضرّاء، وخاصة ما نراه من اشتداد النزعة المادية وغلبة الروح الأنانية؛ فالصداقة مشتقة من الصدق، ولابد أن يكون فيها من الصراحة والعفوية ما ترتاح إليه النفس، ومثل هذه الصداقة هي لذة روحية يدركها من يسّر الله له أن تنعقد المودة بينه وبين رجل من ذوي الأخلاق النبيلة والآداب العالية.
ليس بالأمر الهيّن إيجاد مثل هذا الصديق، وخاصة بين الأنداد حيث تكثر المنافسة والحسد، وإذا لم يكن صديقًا حميمًا فقد يكتم عنك ما في نفسه، ثم يستخدم ما سمعه منك ليطعنك ويرديك في الوقت الذي يريد إذا استطاع.
في الإنسان جوانب كثيرة متنوعة، إلى درجة أن أحدًا من الأصحاب ليس قادرًا على الإحاطة بها جميعًا أو فهمها جميعًا، ولذلك تكثر الأخطاء في نظرة هؤلاء الأصحاب إلى صاحبهم، ويضطر هو للاحتفاظ ببعض جوانب نفسه، وإطلاع الآخرين على بعضها مما يراه جديرًا بالبَوْح، وهذا لا يعني عدم وجود صداقة حقيقية، ولكن إذا وُجِد هذا الصديق فيجب أن نشدّ أيدينا عليه، ونكون أشد ضنًا به من النفائس والأموال، ولا نعامله بالمداراة والمواربة، ولكن بصفاء النفس والقلب.
قال مجاهد: إذا تراءى المتحابان فتصافحا وتضاحكا تحاتّت خطاياهم، فقال له عبدة بن أبي لبابة: إن هذا ليسير. قال له: لا تقل ذلك؛ فإن الله يقول: ﴿ (لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم ولكن الله ألّف بينهم). ﴾
يعطيك العافيه موضوع في غاية الروعه